کد مطلب:280407 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:267

الدعوة و المفاصلة
بدأ المسیح علیه السلام فی بث دعوته داخل بنی إسرائیل. واختار علیه السلام اثنی عشر رجلا لیلازموه ویرسلهم لیبشروا بملكوت السماوات، ولم تكن مهمة المسیح مهمة سهلة داخل الحی الیهودی.

لأن هذا الحی عج بالعدید من الفرق والمؤسسات التی تتجه نحو هدف واحد. حددته الأطروحات والثقافات التی تقول بشعب الله المختار.

وتنتظر المسیح بن داود لیعید المیراث الذی أعطاه الله لإبراهیم، ولم تكن مهمة المسیح أن یأتی لهؤلاء بما تهوی أنفسهم، وإنما كانت مهمته أن یدعوهم إلی عبادة الله عبادة خالصة، وأن یعیدهم إلی الطریق الذی یخلو من جمیع بصمات الأمم، ذكر إنجیل مرقص أن المسیح سئل أیة وصیة هی أول الكل؟ وأجاب یسوع: إن أول كل الوصایا هی: إسمع یا إسرائیل الرب إلهنا رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هی الوصیة الأولی [1] وهذه الوصیة أشار إلیها القرآن الكریم. فی قوله تعالی: (ووصی بها



[ صفحه 139]



إبراهیم بنیه ویعقوب. یا بنی إن الله اصطفی لكم الدین فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر یعقوب الموت إذ قال لبنیه ما تعبدون من بعدی قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهیم وإسماعیل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون). [2] وفی الآیة إشارة إلی أن الدین هو الإسلام كما قال تعالی: (إن الدین عند الله الإسلام). [3] .

لم تكن المهمة سهلة فی الحی الیهودی الذی أغلق الأبواب حتی لا تدخل الاستقامة. كما قال أشعیا: قد ارتد الحق إلی الوراء والعدل یقف بعیدا. لأن الصدق سقط فی الشارع والاستقامة لا تستطیع الدخول وصار الصدق معدوما [4] وعلی الرغم من هذا العسر وهذا الصد عن السبیل، حددت الدعوة للمسیح دائرة عمله، وهی قوله: لم أرسل إلا إلی خراف بیت إسرائیل الضالة. [5] ولهذا قال لتلامیذه إلی طریق أمم لا تمضوا وإلی مدینة للسامریین لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحری إلی خراف بیت إسرائیل الضالة. [6] .

ولأن الحی الیهودی یزخر بالثقافات التی أنتجتها العقائد الوثنیة، ویزخر بالانحرافات التی أنتجها التحریف والتأویل لنصوص الكتاب، كان لا بد من المفاصلة بین الحق وبین الباطل داخل الحی الیهودی، لیعرف الشعب أین تكون القدوة الصالحة وتقام علیه الحجة، فالساحة شربت من قدیم ثقافة یشیر إلیها قول أشعیا صارت القریة الآمنة زانیة.. كان العدل یبیت فیها وأما الآن فالقاتلون وقوله رؤسائك متمردون ولغفاء اللصوص. كل واحد منهم یحب الرشوة



[ صفحه 140]



ویتبع العطایا [7] وعندما بعث المسیح تم الفصل بین ثقافة والتمرد والرشوة وقدوتها. وبین العقیدة التی تتمیز بالزهد ویسهر علیها قدوة صالحة، ذكر الإنجیل أن المسیح قال لتلامیذه مجانا أخذتم مجانا أعطوا. لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا فی مناطقكم. ولا مزودا للطریق ولا ثوبین ولا أحذیة ولا عصا. [8] .

ونظرا لتعدد الفرق والمؤسسات داخل الحی الیهودی، ونظرا لوجود تعالیم تلبست بالدین وأصبحت خطرا علی الفطرة. وتهدد المسیرة البشریة بالفتن المهلكة، فإن حركة المسیح لتصحیح المسار.

تمیزت من بدایتها بالمفاصلة بین الحق وبین الباطل حتی داخل البیت الواحد، لیهلك من هلك عن بینة، ذكر متی أن المسیح قال لا تظنوا أنی جئت لألقی سلاما علی الأرض. ما جئت لألقی سلاما بل سیفا، فإنی جئت لأفرق الإنسان ضد أبیه والابنة ضد أمها. والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بیته، من أحب أبا وأما أكثر منی فلا یستحقنی. ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر منی فلا یستحقنی، [9] ولأن الدعوة الإلهیة دعوة واحدة. ولأن المفاصلة بین الحق وبین الباطل من الأمور الفطریة. فلقد روی أن النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم قال لا یؤمن أحدكم حتی أكون أحب إلیه من ولده ووالده والناس أجمعین. [10] .

ولما كانت المفاصلة تقتضی أن یكون القول موافق للعمل، أمر المسیح تلامیذه بأن لا یقتفوا أثر الكتبة الفریسیین وغیرهم من علماء



[ صفحه 141]



الشعب، وقال لا تعملوا مثل ما یعملون. لأنهم یقولون ولا یفعلون.

بل یحزمون أحمالا ثقیلة لا تطاق ویضعونها علی أكتاف الناس، ولكنهم هم لا یریدون أن یحركوها بطرف الإصبع، وكل ما یعملونه فإنما یعملونه لكی یلفتوا نظر الناس الیهم، فهم یعرضون عصائبهم ویطیلون أطراف أثوابهم. ویحبون أماكن الصدارة فی الولائم وصدور المجالس فی المجامع، وأن تلقی علیهم التحیات فی الساحات. وأن یدعوهم الناس: یا معلم یا معلم، أما أنتم فلا تقبلوا أن یدعوكم أحد: یا معلم لأن معلمكم واحد وأنتم جمیعا أخوة [11] فالطریق الأول إتبع الأهواء وفصل بها بین القول والعمل، وأنتج برامج وثقافات لا تتفق بصورة مع كرسی موسی وهارون علیهما السلام، فجاء الطریق الثانی بالمفاصلة التی علیها یسیر كل طریق نحو هدفه.


[1] مرقص 12 / 28 - 34.

[2] سورة البقرة آية 133.

[3] سورة آل عمران آية 19.

[4] أشعيا 59 / 11.

[5] متي 15 / 25.

[6] متي 10 / 6.

[7] أنظر أشعيا 1 / 2 - 23.

[8] متي 1 / 9 - 11.

[9] متي 10 / 34 - 38.

[10] رواه مسلم ك الإيمان (الصحيح 49 / 1).

[11] متي 23 / 4 - 9.